الاثنين، 19 أكتوبر 2015

الهاجس المتوجس والسم القاتل


الناس طبقات في أحاسيسهم، هناك من يتأثر بأشياء لا يتأثر بها سواهم وهناك من يتوجس من أشياء لا تفزع سواهم، وهناك من تتلهف نفسه وتطير شوقاً، وهناك من لا تتحرك فيهم خلجة أو عضلة. هناك أناس يتأثرون بالحس والفكر وكل علاقة من العلاقات الاجتماعية فيشعرون بأشياء كثيرة، يخافون، يتوجسون، يتقلبون في أحضان الهواجس.
هناك مرهف الحس كالأديب والمفكر والشاعر، والمثقفون عامة يشعرون بأشياء ويخضعون لنزاعات لا يخضع لها العامل والمهني والصانع ورجل الأعمال.
مرهف الحس أو الذي امتلك الموهبة يغالي في كل أمر، ويهول في كل حادث وترتاح نفسه إلى التهويل، ومثل هذا الرجل يجدر به أن يحلل هذه التأثيرات والانطباعات تمهيداً للنظر في الأمور نظرة واقعية خالية من كل مغالاة، بهذا التحليل العاقل الرشيد يسد الباب في وجه الهواجس والوساوس. 

هذه النزعة الهاجسة المتوجسة تنمو باطراد في أعماق الرجل المرهف الموهوب لأن أفكاره تجوس خلال الفضاء الأعلى. ولا ريب أن أوضاع الحياة تفيض بالأمور التي تثير القلق والاضطراب وتضع العراقيل في طريق المُجد الذي نود لو بلغنا قمته في ساعة. بيد أن الهاجس المتوجس يضيف إلى القلق قلقاً يخلقه هو خلقاً، ولا يكون له في الحقيقة أساس فيضاعف بذلك من الصعاب القائمة ومن الهموم الحاصلة. يصدق كل كلمة عن محنته، يصدث ما يصوره الخيال ولا يلبث الاشراف أن يعقبه اكفهرار فتخمد جذور موهبته ويعشي بصره عن المليح فلا يرى سوى القبيح بل لا يرتاح إلى رؤية شئ غير هذا القبيح. ويخاف، يخاف خوفاً عظيماً، ومم يخاف؟؟ من لا شئ فهو يتصور اللاشئ كل شئ. يخاف العادة ويخاف التقليد، يخاف الناس والأمكنة. كتلة من وهم تسلط عليه ويظل يخاف ويخاف.

إنه التوجس يقتل ما يعرف وما لا يعرف، إنها النفس المنطلقة في شبح المجهول، تتخبط على غير هدى، ولا يوجد من يكبحها ولا من يشد وثاقها. وبالنهاية يبحث عن سبب الخوف فلا يجد له سبب ولا أساس. ولكن ماذا بعد !!!
إنها حالة لا ينفع معها سوى الطب النفسي أي المعالجة الذهنية التي يتسنى لها بالتركيز على إزالة الرواسب وإبادة الوساوس وإحلال الواقعية والشجاعة محل الخيالية والتردد. ولا شك أن التحليل النفسي والعلاج النفسي أصبحا في عصرنا هذا من العلوم الثابتة المضمونة النتائج فيما لو أُحسن الأخذ بها وتطبيقها، فما أكثر الذين كانوا على شفا الهاوية فأسعفهم هذا الطب، وما أكثر الذين تملكهم الجنون من شدة اليأس فنجاهم من مصيبتهم طبيب نفساني بارع. 

إذاً كل هذه الهواجس والوساوس والمخاوف الغير مبررة حلها العلاج الطبي إن كان الجسم هو السبب بنحالة وهزالة، والعلاج النفسي إن كانت نابعة عن مرض نفسي متأصل أو حديث عهد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق